الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي
.تفسير الآيات (5- 10): {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7) اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)}{وَإِن تَعْجَبْ} يا محمد من تكذيب هؤلاء المشركين واتخاذهم ما لا يضر ولا ينفع آلهةً يعبدونها من دون الله، وهم قراؤ تعبدون من الله وامره وما ضرب الله من الأمثال {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} فتعجب أيضاً من قيلهم {أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً} بعد الموت {أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} فيعاد خلقنا جديداً كما كنا قبل الوجود.قال الله: {أولئك الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ} ْ يوم القيامة {وأولئك أَصْحَابُ النار} جهنم {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ} يعني مشركي مكة {بالسيئة} بالبلاء والعقوبة {قَبْلَ الحسنة} الرخاء والعافية، وذلك أنّهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن جاءهم العذاب فاستهزأ منهم بذلك.وقالوا: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء} [الأنفال: 32] الآية {وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المثلات} وقد مضت من قبلهم في الأمم التي عصت ربها وكذبت رسلها، العقوبات المنكلات واحدتها: مَثُلة بفتح الميم وضم التاء مثل صدُقة وصدُقات.وتميم: بضم التاء والميم جميعاً، وواحدتها على لغتهم مُثْلَة بضم الميم وجزم الثاء مثل عُرُفة وعُرْفات والفعل منه مثلت به أمثل مثلا بفتح الميم وسكون الثاء.{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب}.أحمد بن منبه عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: ولما نزلت هذه الآية {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ لأحد العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتّكل كل أحد».{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لولا أُنزِلَ عَلَيْهِ} يعني على محمد صلى الله عليه وسلم {آيَةٌ} علامة وحجة على نبوته، قال الله: {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ} مخوف {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} داع يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ إمام يأتمون به.وقال الكلبي: داع يدعوهم إلى الضلالة أو إلى الحق.أبو العالية: قائد، أبو صالح قتادة مجاهد: نبي يدعوهم إلى الله.سعيد بن جبير: يعني بالهادي الله عزّ وجلّ.وهي رواية العوفي، عن ابن عباس قال: المنذر محمد، والهادي الله.عكرمة وأبو الضحى: الهادي محمد صلى الله عليه وسلم.وروى السدي عن عبدالله بن علي قوله تعالى: {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المنذر أنا، الهادي رجل من بني هاشم يعني نفسه».وروى عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال: «أنا المنذر» وأومأ بيده إلى منكب علي رضي الله عنه فقال: «فأنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي».ودليل هذا التأويل: ما روي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن زيد عن ربيع عن حذيفة: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن وليتموها أبا بكر فزاهد في الدنيا راغب في الآخرة وفي جسمه ضعف، وإن وليتموها عمر فقوي أمين لا تأخذه في الله لومة لائم، وإن وليتموها علياً فهاد مهدي يقيلمكم على طريق مستقيم».رداً على منكري البعث القائلين أءذا كنا تراباً أءنا لفي خلق جديد فقال سبحانه: {الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى وَمَا تَغِيضُ الأرحام} يعني تنقص.قال المفسرون: غيض الأرحام الحيض على الحمل، فإذا حاضت الحامل كان نقصاناً في غذاء الولد وزيادة في مدة الحمل، فإنها بكل يوم حاضت على حملها يوم تزداد في طهرها حتى يستكمل ستة أشهر ظاهراً. فإن رأت الدم خمسة أيام ومضت التسعة أشهر وخمسة أيام، وهو قوله: {وَمَا تَزْدَادُ}.روى ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ما تغيض الأرحام خروج الدم حتى تَحِضْ، يعني حين المولد، وما تزداد استمساك الدم إذا لم تهرق المرأة تم الولد وعظم، وفي هذه الآية دليل على أنّ الحامل تحيض وإليه ذهب الشافعي.وقال الحسن: غيضها ما تنقص من التسعة الأشهر وزيادتها ما تزداد على التسعة الأشهر.الربيع بن أنس: ما يغيض الأرحام يعني السقط وما تزداد يعني توءمين إلى أربعة.جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: ما تغيض الأرحام يعني به السقط.وروى عبيد بن سليمان عن الضحاك قال: الغيض النقصان من الأجل، والزيادة ما يزداد على الأجل، وذلك أنّ النساء لا يلدْنَ لعدّة واحدة ولا لأجل معلوم وقَدْ يُولد الولد لستة أشهر فيعيش ويولد لسنتين ويعيش.قال: وسمعت الضحاك يقول: ولدت لسنتين قد نبتت ثناياي، وروى هيثم عن حصين قال: مكث الضحاك في بطن أُمه سنتين.وروى ابن جريح عن جميلة بنت سعد عن عائشة قالت: لا يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما يتحو ظل المغزل، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وجماعة من الفقهاء.وقال الشافعي وجماعة من الفقهاء: أكثر الحمل أربع سنين، يدل عليه ما أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين الحافظ، أحمد بن إبراهيم بن الحسين بن محمد قال: سمعت أبا محمد عبد الله بن أحمد بن الفرج الأحمري سمعت عباس بن نصر البغدادي سمعت صفوان ابن عيسى يقول: مكث محمد بن عجلان في بطن أُمه ثلاث سنين فشق بطن أُمه وأُخرج وقد نبتت أسنانه.وروى ابن عائشة عن حماد بن سلمة قال: إنما سمي هرم بن حيان هرماً؛ لأنه بقي في بطن أُمه أربع سنين.{وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} بحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه، والمقدار مفعال من القدر {عَالِمُ الغيب والشهادة الكبير} الذي كل شيء دونه {المتعال} المستعلي على كل شيء بقدرته {سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ باليل} في ظلمته {وَسَارِبٌ} ظاهر {بالنهار} ضوءه لا يخفى عليه من ذلك.وقال أبو عبيدة: سارب بالنهار أي سالك في سربه أي مذهب ووجهة، يقال: سارب سَربه بفتح السين أي طريقه.قال قيس بن الحطيم:الشعبي: سارب بالنهار منصرف في حوائجه يقال: سرب يسرب. قال الشاعر: أي ذاهب.قال ابن عباس: في هذه الآية هو صاحب ريبة مستخف بالليل، فإذا خرج بالنهار رأى الناس أنه بريء من الإثم.وقال بعضهم: مستخف بالليل أي ظاهر، من قولهم: خفيت الشيء إذا أظهرته، وسارب بالنهار أي متوار داخل في سرب. .تفسير الآيات (11- 14): {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)}{لَهُ} أي لله تعالى {مُعَقِّبَاتٌ} ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار فإذا صعدت ملائكة الليل أعقبتها ملائكة النهار، وإذا صعدت ملائكة النهار أعقبتها ملائكة الليل، والتعقيب العود بعد المبدأ، قال الله ولم يعقب وإنما ذكرها هنا بلفظ جمع التأنيث؛ لأنّ واحدهما معقب وجمعه عقبة، ثم جمع المعقبة معقبات فهي جمع الجمع. كما قيل أما قال قد حالات بكم وقوله: {مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ} يعني من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار ومن خلفه من وراء ظهره.قال ابن عباس: ملائكة يحفظونه من أمر الله من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء القدر خلوا عنه.حماد بن سلمة عن عبدالله بن جعفر عن كنانه العمري قالوا: «دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أسألك عن العبد كم معه من ملك؟ قال: ملك على يمينك يكتب حسناتك، وهو أمين على الذي على الشمال فإذا عملت حسنة كتبت عشراً، وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين: أأكتب؟ قال: لا، لعله يستغفر الله أو يتوب فإذا قال ثلاثاً قال: نعم اكتب أراحنا الله منه فبئس القرين هو ما أقل مراقبته لله عزّ وجلّ وأقل استحياء منا يقول الله {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وملكان من بين يديك ومن خلفك يقول الله {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك وإذا تجبرت على الله قصمك، وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك إلاّ الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم وآله، وملك قائم على فيك لا يدع أن تدخل الحيّة في فيك، وملكان على عينيك هؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي يتداولون ملائكة الليل على ملائكة النهار؛ لأن ملائكة الليل أي ليسوا من ملائكة النهار فهؤلاء عشرون ملكاً على كل آدمي وإبليس مع بني آدم بالنهار وولده بالليل».قتادة وابن جريح: هذه ملائكة الله عزّ وجلّ يتعاقبون فيكم بالليل والنهار، وذكر لنا أنّهم يجتمعون عند صلاة العصر وصلاة الصبح.همام بن منبه عن أبي هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يتعاقبون فيكم، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ قالوا: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون».وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية قال: ذكر أنّ ملكاً من ملوك الدنيا له حرس من دونه حرس فإذا جاء أمر الله لم ينفعوا شيئاً.عكرمة: هؤلاء ملائكة من بين أيديهم ومن خلفهم لحفظهم.شعبة عن شرفي عن عكرمة قال: الجلاوزة.الضحاك: هو السلطان المحترس من الله وهم أهل الشرك، وقوله: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} اختلفوا فيه فقال قوم: يعني: بأمر الله، وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، وهذا قول مجاهد وقتادة ورواية الوالبي عن ابن عباس، وقال الآخرون: يحفظونه من أمر الله ما لم يجئ القدر.لبيد عن مجاهد: ما من عبد إلاّ به ملك موكل يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس الهوام فما منهم شيء بأمره يريده إلاّ قال فذاك لا يأتي بإذن الله عزّ وجلّ فيه فيصيبه.وقال كعب الأحبار: لولا وكل الله بكم ملائكة يذبّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذا يحيطكم الجن.وروى عمار بن أبي حفصة عن أبي مجلز قال: جاء رجل من مراد إلى علي رضي الله عنه وهو يصلي، فقال: احترس فإنّ ناساً من مراد يريدون قتلك. فقال: إنّ مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه وإنّ الأجل جنة حصينة، وقال أهل المعاني: إنّ أوامر الله عزّ وجلّ على وجهين أحدهما قضى حلوله ووقوعه بصاحبه، فذلك ما لا يدفعه أحد ولا يغيره بشر ولا حتى الجن ولم يقض حلوله ووقوعه، بل قضى صرفه بالتوبة والدعاء والصدقة والحفظة كقصة يونس عليه السلام، وقال ابن جريج: معناه كنصون من الله أمر الله يعني يحفظون عليه الحسنات والسيئات، وقال بعض المفسرين أن هذه الآية أنّ الهاء في قوله: {لَهُ} راجعة إلى رسول الله عليه السلام.جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} يعني محمد عليه السلام من الرحمن حراس من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله، يعني من شر الجن والإنس ومن شر طارق الليل والنهار، وقال عبد الرحمن بن زيد: نزلت هذه الآية في عامر بن الطفيل وزيد بن ربيعة وكانت قصتهما على ما روى محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: أقبل علينا. زيد بن ربيعة هو وعامر بن الطفيل يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في نفر من أصحابه، فدخلا المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور، وكان من أجمل الناس.وقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل وهو مشرك.فقال: «دعه فإن يرد الله به خيراً بهذه»، فأقبل حتى قام عليه، فقال: يا محمد ما لي إن أسلمت؟ قال: «لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين»، قال: تجعل لي الأمر بعدك. قال: «ليس ذلك إليَّ إنما ذاك إلى الله يجعله حيث يشاء».قال: فاجعلني على الوبر وأنت على المدر، قال الرجل: فماذا يجعل لي؟ قال: أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها.قال: أوليس ذلك لي اليوم؟ قال: لا. قال: قم معي أُكلمك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يوصي إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فَدُرْ من ورائهِ بالسيف فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدار أربد بن ربيعة خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه فاخترط من سيفه شبراً ثم حبسه الله عنه فلم يقدر على قتله وعامر يومئ إليه فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما منع بسيفه.فقال: اللهم أكفنيهمابما شئت، فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم صاح صائف وولى عامر هارباً.وقال: يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأنها عليك خيلا جرداً وفتياناً مرداً.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يمنعك الله من ذلك وأبناء قيلة».يعني الأوس والخزرج، فنزل عامر ببيت امرأة سلولية فأنشأ يقول:فلما أصبح ضم إليه سلاحه وقد تغير لونه، وهو يقول:واللات لئن أصحر محمد إلي وصاحبه عني ملك الموت لأُنفذنهما برمحي، فلما رأى الله تعالى ذلك منه أرسل ملكاً فلطمه بجناحه فأذراه في التارب، وخرجت على ركبته غدة في الوقت كغدة البعير فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدة كغدة البعير وموت في السلولية ثم مات على ظهر فرسه. فجعل يركض في الصحراء ويقول: أبرز يا ملك الموت، ثم أنشأ يقول: وكان بعضهم يعيّر بعضاً النزول على سلولية ولذلك ركب فرسه ليموت خارجاً من بيتها ما أحس بالموت، ثم دعا بفرسه يركبه ثم أجراه حتى مات على ظهره.فأجاب الله تعالى دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم وقتل عامراً بالطاعون وأربد بالصاعقة، فرثى لبيد بن ربيعة أخاه أربد بجملة من المراثي فمنها هذه: ومنها قوله: فأنزل الله تعالى في هذه القصة {سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول} الآية {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} يحفظونه {مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} يعني تلك المعقبات من أمر الله وهي مقدم ومؤخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه تلك المعقبات من أمر الله وقال الذين [آمنوا:] {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.وقرأ {وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ} حتى بلغ {وَمَا دُعَآءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ}، {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ} من العافية والنعمة {حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} من الحال لا [.........] فيعصون ربهم ويظلمون بعضهم بعضاً.{وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سواءا} عذاباً وهلاكاً {فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} علمها المخاوف بالله وقيل: وال ولي أمرهم ما يدفع العذاب عنهم {هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق خَوْفاً} يخاف أذاه ومشقته {وَطَمَعاً} للمقيم يرجو بركته وشفعته أن يمطر {وَيُنْشِئُ} بينهم {السحاب الثقال} يعني قال إن شاء الله السحابة فيشاء أي أبدأها فبدلت وأسحاب جمع واحدتها سحابة {وَيُسَبِّحُ الرعد بِحَمْدِهِ} عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:أقبلت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم نسألك خمسة أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك قال: فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قالوا: {والله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص: 28].قال صلى الله عليه وسلم: «هاتوا»، قالوا: أخبرنا عن الرعد ماهو؟ قال: «ملك من الملائكة الموكلة بالسحاب معه مخاريف من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله». قالوا: فما هذا الذي نسمع؟ قال: «زجر السحاب إذا زجر حتى ينتهي إلى حيث أمر». قالوا: صدقت قال عطية: الرعد ملك، وهذا تسبيحه، والبرق سوطه الذي يزجر به السحاب فقال: لذلك الملك رعد وقد ذكرنا معنى الرعد والبرق بما أغنى عن إعادته.وقال أبو هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع صوت الرعد قال «سبحانه من يسبح الرعد بحمده».عكرمة عن ابن عباس: إنه كان إذا سمع الرعد قال: «سبحان الذي سبحت له».وقال ابن عباس: من سمع صوت الرعد فقال سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة في خيفته وهو على كل شيء قدير، فإن أصابته صاعقه فعلى ذنبه.وروى مالك بن أنس عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويقول: إن هذا الوعيد لأهل الأرض شديد.وروى حجاج بن أرطأة عن أبي مطر عن سالم يحدث عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال: «اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك».{والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ} يعني ويسبح الملائكة من خيفة الله وخشيته، وقيل أراد هو أنّ الملائكة أعوان الرعد، جعل لله تعالى له أعواناً فهم جميعاً خائفون، خاضعون طائعون به يرسل الصواعق. عن الضحاك عن ابن عباس قال: الرعد ملك يسوق السحاب، وإنّ بحور الماء لفي نقرة إبهامه وإنه موكل بالسحاب يصرفه حيث ويؤمر وإنه يسبح الله فإذا سبح الرعد لم يبق ملك في السماء إلا رفع صوته التسبيح فعندها ينزل المطر {وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ} أصاب أربد بن ربيعة.قال أبو جعفر الباقر: الصواعق تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب ذاكراً.{وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله} وقد أصابت أربد وعامر، وقيل نزلت هذه الآية في بعض كفار العرب.حديث إسحاق الحنظلي عن ريحان بن سعيد الشامي عن عماد بن منصور عن عباس بن الناجي قالت: سألت الحسن عن قوله: {وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ} الآية.فقال كان رجل من طواغيت العرب بعث النبي صلى الله عليه وسلم نفراً يدعونه إلى الله ورسوله والإسلام، فقال لهم: أخبروني عن رب محمد هذا الذي يدعوني إليه وما هو، ومم هو أمن فضة أم حديد أم نحاس، فاستعظم القوم مقالته وانصرفوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ما رأينا رجلاً آخر أكفر منه، ولا أعتى على الله منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارجعوا إليه»، فرجعوا إليه فجعل يزيدهم على مثل مقالته الأُولى وقال: أُجيب محمداً إلى ربّ لا أراه ولا أعرفه فانصرفوا إليه، فقالوا: يا رسول الله ما زادنا على مقالته الأُولى إلاّ قوله: أُجيب محمداً إلى رب لا يعرفه، فقال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجعوا إليه، فرجعوا إليه فبينا هم عنده ينازعونه ويدعونه ويعظمون عليه، وهو يقول: هذه المقالة إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رؤوسهم فرعدت ثم برقت فرمت بصاعقة فأحرقت الكافر وهم جلوس فجاؤوا يسعون ليخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فاستقبلهم بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لهم: احترق صاحبكم.قالوا: من أين علمتم؟ قال: أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم {وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله وَهُوَ شَدِيدُ المحال} فقال الحسن: ما شديد المحال؟ قال: شديد الحمل.قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: شديد الأخذ.مجاهد: شديد القوة. أبو عبيدة: شديد العقوبة، والمحال والمماحلة المماكرة والمغالبة.وأنشد أبو عبيدة للأعشى: وقال الآخر: {لَهُ} لله عزّ وجلّ {دَعْوَةُ الحق} الصدق وأضيفت الدعوة إلى الحق لاختلاف الإسمين وقد مضت هذه المسألة.قال علي رضي الله عنه: دعوة الحق التوحيد.ابن عباس رضي الله عنه: شهادة أن لا إله إلاّ الله.{والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} يعني المشركين الذين يعبدون الأصنام من دون الله {لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ} يريدونه منهم من نفع أو دفع {إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى المآء} إلاّ كما ينفع باسط كفيه إلى الماء من العطش يبسطه إياهما إليه يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبداً.علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هذا مثل لمشرك عبد مع الله غيره، فمثله كمثل الرجل العطشان الذي نظر إلى خياله في الماء من بعيد فتصور أن يتناوله فلا يقدر عليه، عطية عنه يقول: مثل الأوثان التي يعبدون من دون الله كمثل رجل قد بلغه العطش حتى كربه الموت وكفاه في الماء وقد وضعهم الا يبلغان تناوله.الضحاك عنه يقول: كما أنّ العطشان إذا يبسط كفيه إلى الماء لا ينفعه ما لم يحفظهما ويروي بهما الماء ولا يبلغ الماء فاه مادام باسط كفيه إلى الماء ليقبض على الماء؛ لأن القابض على الماء لا شيء في يده.قال ضاني بن الحرث المزني: وقال الشاعر: {وَمَا دُعَآءُ الكافرين} أصنامهم {إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} يضل عنهم إذا أحتاجوا إليه.جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: ما دعاء الكافرين ربهم إلاّ في ضلال؛ لأن أصواتهم تحجب عن الله تعالى.
|